نظم برنامج البحث والتطوير التربويّ/مؤسّسة عبد المحسن القطان في غزة، مؤخّراً، ثلاث ورش عمل حول موضوع "ثورة الغذاء" مع مجموعة من المعلّمات والمعلّمين، وذلك في إطار تحضيرات مهرجان أيام العلوم 2018.
وأشرف على الورش كل من نزار الوحيدي، المدير العام للإرشاد والتنمية لوزارة الزراعة في غزة، ومديرة مكتب البرنامج بغزة علا بدوي.
ويحمل مهرجان العلوم هذا العام ثيمة "ثورة الغذاء" بما يشكّله كأحد أهمّ التحدّيات التي تواجه هذا العصر، حيث يحذّر الخبراء من أزمة في السنوات المقبلة، سيصبح فيها العالم غير قادر على إطعام نفسه إذا ما استمر الوضع الحالي كما هو عليه من زيادة السكان وارتفاع الطلب على منتجات الطعام بالتوازي. وسيحتاج العالم حتى منتصف القرن الحالي إلى مضاعفة إنتاج المحاصيل التي يزرعها حالياً، أو أن تفكّر المجتمعات ببدائل أخرى للتعامل مع الأزمة المحتملة.
تناولت الورشة الأولى محاور عدّة من ضمنها قدرة الأرض على أن تفيَ باحتياجات البشر من الغذاء، وأثر زراعتنا لنباتات في غير بيئتها الأصلية على الكائنات والبيئة التي تعيش فيها. كما تناولت الورشة قضيّة التفريق بين الطعام والغذاء والتعرّف على ملامح سوء استخدام الأطعمة والموارد الطبيعية، وتمييز العادات والمفاهيم غير الصائبة في قضيّة اختيار الغذاء.
عمل المعلّمون في ورشة العمل الثانية على موضوع "العلاقة بين الطعام والثقافة"، وكيف يصبح الطعام جزءاً من هويّة كل واحد فينا، وما يحمله من قيم خاصّة وشخصيّة لنا، بحيث كتب المعلّمون قصصاً حول الطعام تركت انطباعاً قويّاً في ذاكرتهم، وتشاركوها معاً ثمّ فكّكوا تلك القصص بما تحويه من عناصر وأبعاد اجتماعية وثقافية واقتصادية وصحيّة، كالمجتمع الذي تحيل إليه القصّة من علاقات وروابط وأساليب وأنماط حياتية وعادات وتقاليد، وحرف ومهن، والطعام الذي ارتبطت به القصّة ومصادره وطهيه والمشاركين فيه، وقيم الإنتاج مقابل الاستهلاك، والفنون والجماليّات المتعلقة به.
وشاركت المعلّمة ميرفت عروق بقصّة عن ذاكرة الحرب والسكّر قائلة: "في حرب الخليج أثناء ضرب الصواريخ التي اعتقدنا أنّها محمّلة بالرأس الكيميائي، في هذه الأثناء أمي كانت تسرع لإغلاق الشبابيك والأبواب باللاصق والنايلون، ونجلس جميعنا في غرفة لا نعرف كم سنمكث من الوقت، تعدّ أمي فطائر القرفة بالسكر بكميّات كبيرة نأكل منها وننسى شعور الخوف ... لا أدري لماذا فطائر السكّر تحديداً!".
ومما قصّته المعلّمة جيهان النجار عن طبق "لفتّوش"، قالت: "عندما كنت طفلة، وكانت أمي لا تزال على قيد الحياة، كنا نجتمع أنا وإخوتي وأخواتي على صحن الفتوش الذي تعدّه أمي بألوانه الجميلة وطعمه اللذيذ ورائحته الشهية، توفيّت أمي والآن أنا أعدّ صحن الفتّوش لأولادي بالطريقة نفسها ويحبّونه ويحبّونني".
كما سردت المعلّمة سميرة الباز حكاية عن المفتول ولمّة العائلة: "كانت العائلة تجتمع عند عودة المغتربين حول صواني المفتول الشهية، كلٌ يتحدث عن ذكرياته ما بين الفرح باللقاء وألم الفراق مرة أخرى. انقطعت لمّة المغتربين حول صواني المفتول ما بين منع المعابر ووفاة الأحبة".
أمّا المعلّم أنور الفرّام، فيستعيد ذكرى مؤلمة حول مشاهدة الكوسا، قبل إعدادها وبعد إعدادها وبعد الانتهاء منها، ما يخلق له جانباً من التوتر، لارتباطها باندلاع الحرب 2014 على غزة حين كان يتناول الكوسا المحشي كإفطار رمضاني، فأصبح الابتعاد عن هذا الطبق سلوكاً لاإراديّاً لديه، ورمزاً للتشاؤم.
أما في ورشة العمل الثالثة، فقد عمل المشاركون على تفحّص مجموعة من المواد الغذائيّة، وكل ما هو مكتوب عليها من عبارات ورموز وشيفرات، لاستكشاف محتويات كل منتج وعلاقة ذلك بمفاهيم الشبع والجوع، وتعلّم طريقة قراءة جدول المواصفات، وكيفية التعرّف على المنتج في حال فساده، وطرق حفظ الطعام وتخزينه بالطريقة الصحيحة.
ومن المقرّر أن يعمل المعلّمون خلال العطلة الصيفيّة على مشاريع صغيرة مع مجموعات من الطلبة، بحيث يشكّل كلّ مشروع رحلةً معرفيّة تشاركيّة تُبنى وتتطوّر مع جميع المشاركين فيه، بما تطلبه من بحث وتواصل وعمل وإنتاج وابتكار، على أن تتم مشاركة مخرجات تلك الرحلة في المدارس ومع المجتمع المحليّ خلال فترة انعقاد مهرجان "أيام العلوم في فلسطين".